**.* الكتابة المسماريـــة *.**

الكتابة المسمارية

تعرف الكتابة التي ابتكرها العراقيون القدماء”الكتابة المسمارية “،ومع غرابة التسمية غير انها اصبحت مقبولة وشائعة ومعروفة لدى الجميع.والتسمية حديثة الاستخدام نسبيا إذ اطلقها الباحثون على اولى الكتابات المكتشفة في نينوى ونمرود في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي،وكانت تلك الكتابات تتألف من علامات محفورة على الحجر او مطبوعة على الطين،تتألف كل علامة منها من عدد من الخطوط الأفقية والعمودية او المائلة ينتهي كل خط فيها بمثلث صغير غائر مكونا مع الخط مايشبه المسمار او الاسفين،ومن هنا جاءت التسمية الاوروبية(cuneIFORM )من الكلمة اللاتينية( CUNEI) بمعنى مسمار (FROME )بمعنى شكل I وفي العربية (المسمارية) .

لقد شهدت بلاد وادي الرافدين على وجه التحديد القسم الجنوبي منها مولد اول طريقة للتدوين في العالم القديم وذلك في حدود(3200 - 3000 قبل الميلاد) ،إذ كشفت التنقيبات الاثارية في احد معابد الوركاء(الطبقة الرابعة)عما يزيد على الف لوح من الطين مدونه بأقدم شكل للكتابة والتي اصطلح المختصون على تسميتها بالكتابة”الصورية “.
ويتفق العلماء على ان الفضل في اختراع هذه الطريقة من الكتابة يعود الى السومريين الذين اقاموا صرح حضارة عريقة في القسم الجنوبي من العراق،أبتداء من الالف الرابع قبل الميلاد،وان هذه الالواح عبارة عن وثائق اقتصادية تسجل واردات ومصروفات المعبد الذي ظل في كل العصور القديمة محتفظا بالالواح ،فضلا عن دوره الديني المعتاد،بدور اقتصادي فعال حيث كان يمتلك اراضي زراعية واسعة يستخدم في استغلالها الفلاحين والعمال والصناع على اختلاف اصنافهم ويقوم بعمليات الاقراض للمواطنين بفائدة عالية :scratch: .
ان الدافع لظهور الكتابة -كما يبدو لي-اقتصادي ذلك بسبب التطور الاقتصادي الكبير.
ويتضح ان للمعابد دورا رائدا ومتميزا في شأن الكتابة.ولم تلبث الكتابة ان تطورت بمرور الزمن :bom: ،فحدث توسع في مدلول العلامات التي لم تعد تعبر عن الشيء الذي تصوره في الطور الصوري في مراحل الكتابة الصورية،فحسب بل اصبحت تستخدم للتعبير ايضا عن افكار ذات صلة بما تمثله تلك الصور بالاصل وهو ماعرف بالطور”الرمزي “للكتابة.وفي مرحلة لاحقة واخيرة مرت الكتابة في وادي الرافدين بما يعرف بالطور”الصوتي “”المقطعي “وذلك عندما استخدمت اصوات العلامات فقط مجردة عن مدلولاتها”الصورية “و”الرمزية “معا.
ويمثل الطور”الصوتي “”أي المقطعي “هذا اخر مراحل التطور للكتابة في العراق القديم التي لم تصل الى ما يعرف بالمرحلة”الهجائية “وبمرور الزمن ايضا اخذت العلامات تفقد شكلها الصوري لتصبح في نهاية المطاف على شكل علامات تكتب برؤوس مدببة تشبه المسامير،ولذلك سميت الكتابة في وادي الرافدين بالكتابة”المسمارية “.
وتعد”الكتابة المسمارية “ أهم محصلة حضارية كبرى حققها الانسان العراقي القديم،وتأتي على رأس الدلائل المادية للنضج الحضاري في العراق،إذ كان لها الفضل الكبير في وضوح اصول التاريخ المدون للبشرية،كما تركت اثرا كبيرا على مجمل الحضارة الانسانية،ولولاها لما استطاع الانسان ان يسجل علومه،ومعارفه،وتراثه،وينقله الى الاجيال .وقد استخدم” الخط المسماري “ لتدوين مختلف شؤون الحياة اليومية في وادي الرافدين:في الوثائق الرسمية، والمراسلات ، وعقود البيع والشراء،والقوانين،والعلوم،والاداب،وجوجوانب كثيرة مما يتعلق بالحياة اليومية،والمعتقدات،وغيرها كثير .
وان اول من اطلق مصطلح”الكتابة المسمارية “على كتابة وادي الرافدين:هو العالم الانكليزي(T.H.R egius )استاذ لغة اقوام الجزيرة العربية(السامية)في جامعة اكسفورد،وكان ذلك في”1700 م “حتى وقتنا الحاضر .
ان وادي الرافدين كان مركز اشعاع حضاري في مختلف العصور القديمة،وان”الخط المسماري “كان قد انتشر من بلاد سومر إلى بلدان دانية وقاصية،من الشرق الادنى القديم مع كثير من المفاهيم الحضارية كالمعتقدات الدينية،والاساليب الفنية،والمعمارية،والنتاجات الادبية :star: .
وكما نشأ الخط في بلاد الرافدين :star: :star: ،امتد ليشمل البلدان المجاورة مثل سوريا،وعيلام،حتى وصل الى مصر وغيرها.
فالفكر والثقافة الانسانية مدينة بعمق للانجازات الكبيرة،والعطاء الجبار الذي منحته الحضارة العراقية القديمة التي نشأت على ارض سومر،وأكد،وبابل،وآشور،ووضعت ركائزها الاولى على طريق النضج والعمق ولهذا لانستغرب من أقوال العراقيين القدماء حين ذكروا بأن :(الكتابة هي ام المتكلمين،وابو العلماء).
___________________
عن صحيفة الصباح