قراءة في منحوتات عراقية مبكرة تماثيل سومر برونز يروي حكايات

عدد الرسائل : 189 تاريخ التسجيل : 28/06/2007

قراءة في منحوتات عراقية مبكرة
تماثيل سومر برونز يروي حكايات

يرجع تاريخ أقدم التماثيل العراقية إلي الفترة من3200إلي3000ق.م تقريبا حيث عثر في مدينة الوركاء علي تمثال من الرخام لرجل ملتح يضع عمامة علي رأسه وقد أكتشف هذا التمثال الصغير داخل أحد الآنية ليصير من الناحية التأريخية أقدم الشواهد والأدلة الأثرية القائلة بقدم النحت في بلاد الرافدين أما التماثيل المعدنية فإن البداية الحقيقية لصنعها فقد بدأت في الألف الثالثة قبل الميلاد حيث وجد في الوركاء أيضا علي تمثال صغير لعجل مصنوع من الحجر الجيري والفضة، ويؤخذ في الاعتبار أن هذه المحاولة محاولة غير مكتملة لنحت تمثال من المعدن ولكن علي كل حال يمكننا اعتبارها مرحلة تمهيدية لما سيأتي بعد ذلك من تماثيل معدنية صنعت بكاملها من المعدن. وتعد الحضارة السومرية هي المثال اللامع لحضارة وادي الرافدين- بحسب شمس الدين فارس،سلمان عيسي الخياط - وهي الحضارة التي تطورت في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد.ففي هذه الفترة ظهر تطور كبير في حياة البلاد الاقتصادية والسياسية ومنها تطور الأساليب الإروائية.وزيادة في الأراضي الزراعية وتربية الحيوانات كذلك تطورت الحرف اليدوية والتجارة بين القبائل والبلدان المجاورة حتي وصلت العلاقات التجارية إلي الهند ومصر.

رأس ثور
وكان لها الاستقرار والازدهار صداه الواضح في الفنون السومرية ومنها فن النحت وخاصة النحت المعدني الذي نعني بعرضه في مقامنا هذا.
وهناك أمثلة عديدة من النحت المعدني التي يعود تاريخ صنعها إلي العهد السومري ومنها :
- رأس ثور صنع البرونزي الموجود بمتحف الدولة ببرلين الذي يبلغ حجمه نصف الحجم الطبيعي تقريبا.
- عربة نذور تجرها أربعة حيوانات من ممتلكات المتحف العراقي وهي - بحسب أندريه مالرو- عربة من النحاس اكتشفت في معبد بتل أجرب أثناء التنقيبات الشتوية التي أجراها المعهد الشرقي في شيكاغو هناك سنة1936-1937.فمع أن ارتفاع هه العربة لا يزيد عن ثلاث بوصات الا أنها مع ذلك تؤلف قطعة فريدة للتدليل علي تاريخ النقل. فهه العربة ذات العجلتين تجرها أربعة حيوانات ليست من الخيول علي وجه التأكيد وإنما يمكن تشخيصها علي أكثر احتمال كحمير أو حمير وحشية. ولقد صفت الحيوانات جنبا إلي جنب حيث يربط الحيوانان اللان في الوسط بنير أقفل بقوة علي طوقهما. وقد مرت الأزمة عبر حلقة مثبتة بالشفة العليا لكل من الحيوانات الأربعة، ويمسك السائق وهو رجل ملتح ذو شعر طويل بالزمامين المركزيين في يده اليسري وقد لف الجزء المتدلي منهما حول قطعة وسطية ثبتت في محور عجلة العربة. أما يده اليمني فبقيت مطلقة ولابد أها كانت تمسك بسوط أو منخس- فهذه المادة الملحقة قد اختفت- ولما كان سائق العربة غير محمي،فإن من العسير اعتبارها نموذجا لعربة حربية كتلك التي تم تصورها علي مسلة العقبان وعلي راية أور،ونحن نميل في الأحري إلي أن نعتبر هذه العربة التي تجرها أربعة رؤوس من الخيل،بأنها لم تكن تستعمل الا لرحلات سريعة فوق السهوب،وأن السائق نفسه كان في الوقت ذاته رسولا وناقل أخبار.ذلك لأن واسطة النقل القوية هي وحدها التي تستطيع أن تقاوم الطرق في الريف في مثل هذه الأيام. وكانت هذه مما يحتاج إليه علي وجه التأكيد...ولغرض أن يعطي سباك البرونز انطباعا عن حياة أكثر شدة للحيوانات وللسائق،نراه يدخل قطعة من أم اللؤلؤ في محجري العينين،ويثبتها بالقار.فهذا التركيب بين المعدن والصدف غالبا ما وجد في التماثيل النحاسية الأخري من ذات العصر.
- تمثال لمصارعين مصنوع من البرونز وهو من ممتلكات المتحف العراقي أيضا ويبلغ ارتفاعه15.2سم ، والمصارعان - كما يذكر الدكتور سيد توفيق- ملتحمان في حلبة المصارعة وقد ظهرا عاريين إلا ما يستر عورتهما. وقد حمل كل منهما قدرا كبيرا علي رأسه لا يتناسب وحجم المتصارع. وقد يكون الهدف من هذه الرياضة أن المشارك فيها يجب عليه أن يحافظ علي توازن هذا القدر علي رأسه حتي لايسقط.لذلك نشاهد المصارع وهو يضغط علي كتف الآخر ويبتعد برجليه إلي الخلف ويمسك بيديه حزام الخصم ولعل الفائز هو الذي يحافظ علي توازن هذا الإناء الضخم.
- قيثارة أور الذهبية وتسمي قيثارة الملكة وهي كذلك من ممتلكات المتحف العراقي وقد عثر عليها الأثري ليونارد وولي - الذي اكتشف أكثر من قيثارة في المقابر الملكية- في مدينة أور،جنوب العراق، ويعود تاريخها إلي2600إلي2400ق.م وقد وجدت مع قيثارة أخري مشابهة لها في قبر الملكة"بو-آبي"مقابلة لأجساد عشرة من النساء الأخريات مع كامل حليهن وقد صنعت لهن القيثارة لتعزف موسيقي ما بعد الحياة"الحياة الآخرة"،والجزء الخشبي من القيثارة تآكل وتحلل في التربة لكن وولي تمكن من صب "بلاستر باريس" في الفراغات التي تركها الخشب المتآكل وبالتالي استعاد الشكل الجمالي كما كان.
ومقدمة القيثارة مصنوعة من اللازورد الأزرق،مع صدف وحجر جيري مثبتة بواسطة القار.
أما رأس الثور الذي يزين مقدمة القيثارة وصندوق الصوت،فهو مغطي بقناع ذهبي تكسر وبحاجة للترميم،ويلاحظ أن القرون حديثة الصنع،أما اللحية والشعر والعينين فهي أصلية، مصنوعة من اللازورد.
وإضافة لهذه التماثيل يوجد أيضا تمثال لخروف يستند إلي شجرة مزدهرة موجود بالمتحف البريطاني وقد استخدم الفنان صفائح الذهب لكسوة جذع الشجرة المحورة ولرأس الخروف والرجلين واستخدم اللازورد في الكتفين وفرو البطن واللحية بينما استخدم الصدف لتمثيل فرو الظهر.ولقد شكل القرنان والشعر واللحية من الأصداف واللازورد ثم لصقت بالقار.واستخدم الفنان حاملاً خشبياً يبرز من ظهر الخروف لتقوية الجسم واستغله كقاعدة ربما كانت تحمل وعاءا صغيرا خصص لهدف ما.وقد ارتكزت المجموعة علي قاعدة مستطيلة مكسية برقائق من الفضة ومزخرفة بأشكال هندسية اتخذت اللون الأحمر الوردي والأبيض.
وفي المتحف البريطاني توجد أيضا منحوتة من الذهب والفضة عثر عليها في مدينة أور جنوب العراق من مقبرة الملكة حوالي2600ألي2400ق تسمي بحلقة اللجام وهي تمثل حمارا موجودا علي عارضتي عربة .
ومن ممتلكات المتحف العراقي هناك" قاعدة نذرية " وهي منحوتة عثر عليها في خفاجي وتمثل متعبدا عاريا يقف فوق منضدة ذات أربعة أرجل والمتعبد ذو لحية طويلة مميزة وشعر طويل أيضا وقد وقف عاقدا يديه علي صدره وقد بالغ النحات بعض الشئ في طول القدمين. ويبلغ ارتفاع العمل55.5سم تقريبا.
وكل هذا التاريخ الأصيل من المنحوتات المعدنية إنما يدلل علي نبوغ التشكيليين العراقيين في الزمان المبكر وتوقهم الدائم لتسجيل مشاهد متخيرة من حياتهم اليومية واحتفالاتهم ومناسباتهم المختلفة محتفيين بالحياة والجمال ومصرين أبدا علي البقاء والمقاومة وتبوأ منزلة جديرة باستحقاقهم لها.