مقال للكاتب : حامد جعفر
في احدى الامسيات في زمن البعث الغابر, وبينما كنا نشاهد احد برامج التلفزيون الفنية التي كانت تبعدنا قليلا من سطوة البرامج الاعلامية الدعائية لبطل التحر ير القطني وحبربشيته, استضاف مقدم البرنامج يحيى ادريس المطرب الريفي صاحب شراد الذي اشتهر في الخمسينات او الستينات, وكان قد كبر سنه وتضعضعت صحته وفات زمانه ولم يبق في جعبته الا بقايا من اغانيه القديمة التي اشتهرت انذاك.
فتح هذا اللقاء شهية عبد الصاحب شراد رحمه الله للغناء فاطلق العنان لحنجرته التعبانة وهو يحاول جاهدا ان يقترب في غنائه من مستواه عندما كان شابا. وشاءت الاقدار ان يستمع اليه بعض العفالقة فارسلوا اليه متعهدي حفلاتهم التي كانوا يقيمونها في ارقى فنادق بغداد, واغروه بالمال والاطراء, فظن ان باب العظمة والشهرة قد فتح له من جديد على مصراعيه وماعليه الا ان يتخطى العتبة.
حمل العفالقة هذا الرجل العجوز المريض ما لا طاقة له به . وراح يغني لازلام صدام وحرسه ويصدح باغنية ياسفانة الشهيرة وهم يترنحون سكرا ويتغامزون استهزاءا به, وامامهم على الموائد صف القوزي المحمر والمشمر وانواع الفواكه وقناني الخمور الغالية الثمن, ويحيط بهم الخدم والحشم, في الوقت الذي كان فيه العراقيون يتضورون جوعا ويقتل ابناؤهم على جبهات القتال العبثية. ولم يتركه العفالقة يرتاح حتى ينبلج الفجر وترسل الشمس اولى خيوطها الصفراء وتنتهي لياليهم الشيطانية الحمراء المليئة بالعربدة والفجور. واذا لم تخني الذاكرة, فقد اعلن عن وفاة المطرب عبد الصاحب شراد بعد اسبوع فقط من ظهوره في برنامج يحيى ياسين بسبب الارهاق الشديد الذي اصابه والذي لم يعد يتحمله في سنه هذا .
هذه القصة بحذافيرها كررتها قناة الشرقية البعثية مع لفنان راسم الجميلي رحمه الله. كان هذا الرجل قد شاخ واشتعل راسه شيبا واضمحلت قواه. كان الجميلي يقوم بادوار بسيطة تناسب سنه في التلفزيون العراقي, وفجأة احاط به شياطين البعث, وكما اغرى الشيطان ادم واخرجه من الجنة , اغرى الشيطان سعد البزاز وشلته البعثية هذا الفنان التعبان وبذلوا له المال بلا حساب ولاكتاب وزينوا له سوء الاعمال , واذا به رحمه الله يعمل ليل نهار كما قال ذلك بنفسه في احدى اللقاءات التلفزيونية, ليس لشيء الا ليكون قرقوزا في مسلسل سخيف مثل الزعيم للنيل من العراقيين وحكومتهم الوطنية, حتى استهلك وفاضت روحه الى ربها بخفي حنين تلعن سعد البزاز والبعثيين .
والاعجب من ذلك, ان العفالقة في قناة الشرقية لم يكفوا عنه بعد وفاته بل استخدموه للدعاية والنشر ايضا, ربما بامر من شيخهم الضاري او عبد الجبار الكبيسي او عزوز ان كان حيا. والمظنون انهم اغروا اهله بالمال والجاه حتى اقنعوهم بدفنه في مقبرة الغرباء في دمشق رغم اعلان الحكومة عن استعدادها لنقله ودفنه في بغداد على نفقتها ... واخيرا نقول لولده علي كيف ستزور قبر ابيك في قادم الايام وقد بعت جثمانه بحفنة دولارات..!!!