من النادر أن نجد نصاً من الدارمي نسب لشاعر أو عرف قائله على كثرة النصوص الموجودة لدينا وتعدد أغراضها، وعلى الرغم من نسبة ألوان الشعر الشعبي الأخرى إلى شعراء لهم شهرتهم في دنيا الشعر والأدب. فما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك؟
في رأيي أنّ لذلك أسباباً وعوامل عديدة،أهمها:-
1-أنّ نظرة المجتمعات القديمة إلى الغناء جعلت الناس يبتعدون عن ممارسته، وليس الاستماع أليه، وأن النظرة إلى المغني في المجتمعات العشائرية لا توحي بالاحترام لذلك حين ينظم أحدهم بيتاً من الدارمي ويسمعه مغنى على الشفاه، يتنكر له، وأنّ أنتشر الدارمي بين الناس تنكر له أيضاً خشية المساءلة عن المقصود بذلك البيت وما يترتب على ذلك من أمور على الرغم من أنّ فنون الأدب الشعبي الأخرى قد عرف قائلو معظمها ونسبت إليهم.
2-أنّ هذا الأدب لم يدون في الكتب، ولم يعنَ به الأدباء ويسجلوه في كتبهم ومؤلفاتهم لنظرتهم الاستعلائية إلى العامة، فظل ينتقل مروياً على الألسن معرضاً للإضافة بقصد الإجادة أو لجهل الرواة.
3-أنّ الدارمي يصح أن يطلق عليه الشعر الغنائي لملاءمته للأذواق وسهولته وبساطة لحنه، فأن المغني لا يذكر أسم الشاعر عند ترديده لمخالفة ذلك للأعراف الفنية وعدم إمكانية ذكره مع الموسيقى، وفي الأ بوذية أو الموال قد يذكر المغني أسم الشاعر بقوله (يقول فلان) هذا إذا كان معروفاً، ولعل وجود بعض الأ بوذيات القديمة التي عرف قائلوها دليلاً على ذكرها منسوبة لقائليها عند الغناء.
4-ولكون هذا النوع من الأدب يكثر ترديده ونظمه من قبل النساء و اشتهرت نسبته لهن فليس من المعقول أنّ يذكر أسم القائلة لما في ذلك من الفضيحة الاجتماعية لذوي الفتاة. 5-انتقال النص من مكان إلى آخر وتداوله بين الناس بصيغ مختلفة بحيث يصعب تعين القائل الحقيقي له.. 6-وقد دخل ميدان الدارمي شعراء القريض أيضاً ونظموا فيه واجادوا في سبك المعاني ولكنهم لم يظهروا ذلك بسبب النظرة إلى هذا اللون من الأدب واعتباره من الأمور السهلة التي يتأتى نضمها لكثيرين بسبب سهولته وسرعة نظمه.
7-ومن الأسباب المهمة لـمجهولية قائله أنّ هذا الفن أقتصر في بداياته على النساء دون الرجال،وسرى على ألسنة النساء سريان النار في الهشيم، وقد اعتبرته الغالبية من الفنون النسائية البحتة لذلك ليس غريباً ان يأنف الرجل من نسبة الدارمي أليه، لأن النظرة الاجتماعية للمرأة التي كانت سائدة وقت ذاك، كل ذلك جعل الرجال ينظرون إلى هذا الفن نظرة أخرى رغم ولعهم به وإقبالهم عليه، ولعل نظرة المجتمع إلى المرأة انعكست في هذا اللون من الأدب كما لم تنعكس على أي لونٍ آخر.
المصدر : مقالة للكاتب محمد علي محيي الدين / المدى - ثقافة شعبية 28/11/2007