لها أون لاين .. الموقع الألكتروني
تشير آخر التقارير إلى أن عمليات التجميل تكلف كل عام 400 مليار دولار على مستوى العالم، ولهذا قامت البنوك بعمل عروض لإمداد راغبي التجميل بقروض طويلة الأمد لتحقيق رغباتهم في عمليات التجميل، وأن النساء يشكلن 75% من مجموع طالبي عمليات التجميل في حين يمثل الرجال 25% من زوّار جراحي التجميل , وفى أمريكا وحدها يتم إنفاق 160 مليار دولار سنويا على هذه العمليات , ويقول خبراء التجميل بفخر شديد أن هذا دليل على أننا دخلنا مرحلة ثقافة التجميل 0
وكشفت أحدث الإحصاءات أن حجم إنفاق الفرد السعودي على جراحات ومستحضرات التجميل خلال العام المنصرم 2006 بلغ حوالي ملياري ريال سعودي (نصف مليار دولار تقريبا)، مما يعني أن 33.4 في المائة من إجمالي الإنفاق الخليجي البالغ 6 مليارات ريال كان من نصيب السعوديين الذين استحوذوا على الحصة الأكبر من مجمل عمليات التجميل التي أجريت في دول الخليج العربي خلال العام الماضي.
فما السر وراء زيادة الاهتمام بصورة ملحوظة بعمليات التجميل؟ وما هي صفات من يقدم على هذه الخطوة؟ ولماذا دخل الرجال بدورهم هذا المجال؟
نجيب في هذا الحوار عن هذه التساؤلات:
عصر الصورة
التقينا بالدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر للوقوف على أهم الأسباب التي تدفع النساء والرجال على حد سواء إلى عمليات التجميل والرجيم والرشاقة في محاولة للوصول لتحليل شخصيات من يقوم بهذا:
في البداية سألناه عن الأسباب التي تؤدي لزيادة الاهتمام الذي قد يصل إلى حد الهوس بالرشاقة والتجميل هذه الأيام فأجاب: ( نحن نعيش في عصر الصورة وعصر سيطرة الشاشة على الناس، فهناك ثلاث شاشات أساسية نتعرض لها الآن شاشة التليفزيون وشاشة الكمبيوتر وشاشة التليفون المحمول، وبهذا فالصورة تلح على الناس طول الوقت، كما أن الفيديو كليب أعطى نموذجاً للجمال ويكرره ويلح على تثبيته في أذهان الناس، وهذا النموذج الذي يروج له الإعلام لا يأتي بصورة طبيعية لدي كل الناس، فالله خلقنا مختلفين بأشكال مختلفة، و بمواصفات معينة ليكون لكل شخص خصائصه، فلو افترضنا خصائص مثاليه وأخضعنا كل الناس أو غالبية الناس لها لوجدنا أنفسنا أمام أشكال متكررة من البشر بلا معنى وبلا روح،والنموذج المعروض على الشاشة نموذج مثالي لا يتحقق دائماً.)
عدم الثقة بالنفس
وفي محاولة لفهم نفسية من يقبل على عمليات التجميل سألناه إذا كان هذا ينبع من عدم ثقة بالنفس فأكد الدكتور المهدي على هذا موضحاً أن الإنسان حين تكون ثقته بنفسه مرتفعة لا يهتم كثيراً بأهمية شكله حتى في حالة وجود بعض العيوب لديه يتقبل هذا الأمر ويعيش حياته بصورة طبيعية بل يشعر أن هذا العيب ربما يميزه عن غيره، أما الشخص ضعيف الشخصية –والكلام على لسان الدكتور المهدي- فيبدأ يبحث عن العيوب الشكلية لديه، أو يكون لديه طمع زائد في أن يكون شكله أفضل وأجمل، مثل الفتاة التي تريد أن تكون موديل أو عارضة أزياء.
عدم تقبل الذات
أما فيما يتعلق بالعلاقة بين الإقبال على عمليات التجميل والرشاقة والتخسيس وعدم تقبل الذات فيقول الدكتور المهدي: ( الناس لديها ثلاث صور لنفسها الأولى هي صورة الذات كما نراها، والثانية هي الصورة التي يراها الناس، والصورة الثالثة هي صورتنا الخارجية التي نراها في المرآة، ونحن نتعامل مع صورتنا الداخلية، فهي التي تدفع للقيام بعمليات التجميل، فأحياناً يكون الشخص جميلاً ولكن نفسه ترى تشوهاً أو قبحاً، فهنا الصورة الداخلية للذات هي المسئولة عن الاتجاه لتعديل الشكل، فهناك مرض اضطراب صورة الجسد، وفيه يكون الشخص جميلاً جداً، لكن مع هذا لديه إحساس دائم ومؤلم أن هناك تشوه في الشكل، مما يجعله يذهب لطبيب التجميل الذي يرفض القيام بأي عملية له لأن العيب في إحساسه بذاته وليس في شكله.)
حالات مرضية
وإكمالاً لفهم نفسية وشخصية من يجري عمليات التجميل يقول الدكتور المهدي:
( كل من يجري هذه العمليات يكون لديه هدف معين، فأحياناً يكون المرأة عملها يعتمد على مقاييس عالية من الجمال، مثل الفنانات أو المطربات أو السكرتيرة أو من تعمل بالعلاقات العامة، فهذه الفئة يكون الشكل لديه مهماً، لأنه جزء من عملها ومن ترويج سلعتها، ففي هذه الحالة تكون واعية تماماً لما تفعل وأنها ستحقق مكاسب من هذه العمليات، وهناك الفئة فاقدة الثقة بالنفس ويعتقد أنه لو صلح شيئاً ما من شكله يكون مقبولاً لدى الآخرين، وهناك حالات مرضية فالإضافة إلى مرض اضطراب صورة الجسد هناك الضلالات الجسدية، ومن يُصاب بهذه الضلالات لا يقتنع أبداً أنه ليس لديه عيب يستحق التعديل، فيكون لديه مثلا ًإحساس عارم أن أذنه تشبه أذن القرد، وفي هذه الحالة تفشل كل المحاولات لعدوله عن فكرة القيام بعمليات التجميل، لإصابته بحالة ذهان تجعله لا يتقبل الواقع.)
وعن العلاقة بين محاولة الزوجات الحفاظ على أزواجهن من الانجذاب لغيرهن وإقبالهن على التجميل يؤكد الدكتور محمد المهدي أن هذا كثيراً ما يحدث وهناك عدد من الرجال يقولها صراحة أنه معجب بفلانة المطربة أو علانة الممثلة، فهنا الزوجة تقلق من هجر زوجها لها- والكلام لدكتور محمد- ولما يراه من نماذج جمال فائقة في التليفزيون، فتسعى للتقرب من هذا النموذج.
والرجال أيضاً يتجملون
وحين سألنا الدكتور المهدي عن أسباب لجوء الرجال أيضاً لهذا العمليات وليس النساء فقط أجاب: (هناك إحصائية تقول أن 30% من عمليات التجميل يقوم بها رجال، والرجل يكون لديه نفس دوافع المرأة من إلحاح الصورة في وسائل الإعلام وما يراه من وسامة الفنانين، علاوة على تراجع قيمة الجوهر والجمال الحقيقي الخالد من فكر الناس ووعيهم، في الوقت الذي يهتم فيه الرجل بشكله تراجعت قيمة الرجولة مثل المسئولية والشهامة والصدق والرعاية في حين يهتم بالوسامة والشكل، وهذا خلل في ترتيب الأولويات. ومن الخطورة بمكان أن تحل ثقافة التجميل وعبادة الصورة محل ثقافة الجمال الشامل , جمال الكلمة وجمال الموقف وجمال الروح وجمال العطاء، وجمال العدل، وتتحول الحياة إلى شاشة يتحرك عليها شباب وفتيات بمقاييس مثالية في الوجوه والأجساد بينما قلوبهم وأرواحهم خاوية)
رضا نفسي
وعن الفائدة التي يحققها من يقوم بعمليات التجميل وإذا كانت تحقق التوازن والرضا النفسي لصاحبها يقول أن هذا يحدث في بعض الحالات ويضيف: وهذا يحدث عندما يكون الشخص درس الموضوع جيداً وعرف أن هناك فائدة مؤكدة مثل من لديه عيوب خلقية أو آثار حرق أو تشوه ما وقام بإصلاحه، فهذا يحقق له الرضا النفسي ويشعر أنه عاد لطبيعته مثل بقية الناس، وهذا يختلف عن التبديل الذي يغير خلق الله ويحقق مراد الشيطان حين قال " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " , وهذا ما فعله مايكل جاكسون بنفسه وساعده عليه أطباء تجميله وتبديله فأصبح شيئا آخر تماما، وهذا هو تشويه الخلق وتغيير الفطرة 0
فالناس التي تقدم على هذه العمليات لتحسين شكلها لأنها ترى نفسها قبيحة فمهما قام بعمليات تجميل لن يشعره هذا بالرضا لأن إحساسه بالقبح داخلي، وليس مرتبطاً بصورته الخارجية.)
قيم الجمال الشامل
وينهي الدكتور المهدي حديثه معنا موجهاً كلمة للمقبلين على عمليات التجميل بحثاُ عن الجمال: لنربي أنفسنا وأولادنا على قيم الجمال الشامل بكل أبعاده الجسدية والعقلية والوجدانية والروحية , فهكذا قيمة الإنسان تتجاوز حدود صورته إلى آفاق أعلى من الجمال، آفاق لا تؤثر فيها تجاعيد الوجه ولا انحناءة الظهر ولا جفاف الجلد ولا مرور السنين، نوع من الجمال الخالد نراه في وجوه الصالحين والمصلحين ولا نراه في وجوه المتجملين المترفين الأنانيين الذين ينفقون 400 مليار دولار سنويا على عمليات التجميل والتبديل ويستدينون من البنوك لكي يحسنوا صورتهم الخارجية, ويشفطوا دهونهم المتراكمة على أجسادهم بسبب التخمة والكسل , ولا يؤرقهم جوع الملايين في كل مكان في الأرض، فكيف إذن تكتسب وجوههم جمالا في حين تحمل قلوبهم كل تلك القسوة والأنانية وتحمل نفوسهم تلك الرغبة في الإسراف والإسفاف.
وأخيرا نستعيد الميزان المعتدل ونتذكر بأن الله لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أجسادنا ولكن ينظر إلى قلوبنا ، وأن أكرمكم عند الله أتقاكم.