سيرين
عدد الرسائل : 297 العمر : 35 تاريخ التسجيل : 16/05/2007
| موضوع: بابلو بيكاسو رؤية سينمائية لسيرة فنان الخميس 08 نوفمبر 2007, 6:51 am | |
| بابلو بيكاسو رؤية سينمائية لسيرة فنان يعد فيلم المخرج " جيمس آيفري " (1996 – SURVIVING PICASSO ) واحدا من الأفلام السينمائية عن سيرة الفنان المبدع " بابلو بيكاسـو " إلى جوار أفلام أخرى ، كان أبرزها فلم المخرج الفرنسـي " ألان رينيه " عام 1950 والذي كان بعنوان " غورنيكا " ، أشهر لوحات الفنان . يقترب " آيفري " كثيرا من المُشاهد في شريطه هذا ، ليقدم رؤية بانورامية متعددة الخطوط في ملحمة عن الحب والحياة عاشها " بيكاسو " . من الزاوية هذه يبدو التناول موفقاً سينمائياً ، واختيار الفترة الزمنية المُوجِزة لعشر سنوات من حياة " بيكاسو " يمكن عده مغرياً وجذاباً لإعادة النظر في حياة هذا الفنان وفنه . وان لم يذهب المخرج بعيدا في تبنّي البحث عن ما يمكن أن تحققه الأبعاد الجمالية للذهنية التشكيلية في أدنى حالاتها ، إلاّ أننا وجدنا فيما نراه سينمائيا ، أهميته في استنفار الطاقة الجماليةالخلاقة "لبيكاسو " ضمن علاقة صميمية امتازت بالجدل المحتدم بين حياته وفنه . إن تتبع هذه الناحية الدرامية بزواياها الحساسة ومبناها الإيقاعي كفيل بخلق الجو المناسب للمُشاهد في تفسير أي شيء يراه ، ومن ثم كشف الارتباط الحيوي والتصميم الداخلي للفنان الذي يوحي بابتكار الأجواء الرومانسية والعوالم الحُلميّة ، التي وإن اختلفت في وزنها وملمسها فإنها تواصل عمل التأليف الجمالي "للمنظر والتكوين ". وهذه الحالات على بساطتها في الشكل السينمائي المقتَرَح ، تملك وجهة نظرها وانتماءها لروح العصر بشكل يؤكد قوة "الرمز" وتأثيره المساحي . لذلك نـزعَ الفيلـم إلـى التـركيز على المواقف الحياتية وكثافتها الإيجابية أو السلبية بالنسبة للرمز الأساس في التشكيل الصوري" بيكاسو " [ الذي له الكلمة العليا في الفيلم نظراً لكونه فناناً مبدعاً ذا شخصية مسيطرة وقوية وطاغية ]* . حياة " بيكاسو " هي بمثابة الدليل إلى مفردات التكوين الفيلمي ، وربما نعدها أحد عناصر هذا التكوين ، حيث أن الاتجاه الذي يقود العين بصرياً بشكل منظم ومخطط له ، من نقطة إلى أخرى ، يملك إمكانية التعامل مع الخامة الحياتية ( كون الحيوات خامات ) أو خطوط ، أما أن تكون مستقيمة أو تكون متعرجة ، منحنية أو متقاطعة ، متصلة أو منفصلة …وهذه الحالات وأن اختلفت ، فإنها ألقت بظلها الوافر على حياة " بيكاسو " المترددة بين ثقل الكتلة وقدسية الفراغ ، ناهيك عن رفعته . إن تصميم المخرج " آيفري " وعزمه على تناول فترة محددة من حياة " بيكاسو" تمتد بين عامي ( 1953 –1943 ) له ما يبرره بمعيار الصعوبة اللازمة التي تواجهها السينما إذا ما أرادت التصدي لحياة العظماء والمشاهير . فغالباً ما يحاول الشريط السينمائي تأكيد جانب حيوي من جوانب ( الشخصية - موضوع الشريط ) له دوره في إضاءة ما يلزم أضاءته من الجوانب الأخرى لتلك الحياة وذلك الفن . وبشكل عام يُنجز الشكل السينمائي في اتجاهه المتعاظم لتناول حياة الكتاب والفنانين ، تراكما توثيقيا ضروريا لا يخلو من جمال أو احتفاء بحدود تلك الحياة مهما كانت استقلاليتها تجاه فن ( الكاتب أو الفنان ) وشخصيته . وبالطبع يُحدث تناول الشاشة السينمائية لأدبية الحياة نوعا من التوازن المطلوب بين الكلمة المقروءة والصورة المرئية ، ناهيك عن محاولات " الصورة السينمائية " نزع قدسية تلك الحيوات المكتوبة بتصويرها مُجسّدة ، إلى درجة نستمتع فيها بيقين حواسنا حين نطّالع تفاصيل حيوات عدة لـ ( فان كوخ – بيكيت – فرويد – إليوت – لوركا 000) وغيرهم ، معاني طفولتهم ، عشقهم الأول وذنوبهم الصغيرة ، لنشهد بأعيننا نموّ العبقرية فيهم ، فنماثل بين حياة نحسّها وأخرى نتمناها . أما عن اتجاه تناول الشخصيات التاريخية فيمكن القول أنه يُظهر الدور الحقيقي للشخصية في حياة الناس وأثرها في صنع حوادث التاريخ ، بشكل يَفترض موضوعية التناول – عادة – وعقلانية المشاهدة .
المخرج : في عودة للوراء بحثا عن " بيكاسو " ، أختار " جيمس آيفري " " فرانسواز جيلو " اكثر عاشقات " بيكاسو " تأثيرا عليه ، وهي الوحيدة التي استطاعت النجاة سالمة العقل من مصير الانتحار أو الجنون الذي أقتسمه باقي الأبناء والزوجات . فدونت مذكراتها كاملة في كتابها ( حياتي مع بيكاسو ) الذي اقتُبِست عنه قصة الفيلم . وأشيع عنها عدم تعاونها مع الفيلم ونبذها فكرة إخراج فيلم عن حياة " بيكاسو " ، إلا أن ذلك لم يُثن المخرج " إيفري " عن الاستمرار في مشروعه الذي رصد له ميزانيـة تُقَـدر بـ ( 16 مليون دولار ) ، فأختار " باريس " مكانا لتصوير معظم مشاهد فيلمه السينمائي . وفي تأكيد أهمية المرأة وتأثيرها في حياة " بيكاسـو " ونتاجه الفني ، يقـول المخرج " آيفري " : [ كل واحدة منهن ملهمة له مدة ثم يهملها . كل واحدة منهن كانت تفقد تأثيرها وسحرها عليه تدريجيا ، وعندما كان حبه لهن يخبو ، كان تأثيرهن عليه يتضاءل ويصبح سلبيا ، وتوضح رسومـه هـذا الشـيء . فقد كـان " بيكاسو " يخلق منطقة انفعالية مدمرَة حوله كما هو معروف ] . يختلف المخرج " آيفري " في رؤيته لضرورة خلق أفلام ممتعة للمُشاهد تأخذ سِير المبدعين وتركز على حياتهم أكثر من تركيزها على عملية الإبداع والخلق لديهم ، عن المخرج الفرنسي " فرانسوا تروفو " الـذي يـذهب إلـى القول : " لا أريد أن أصنع أفلاما لأناس لا يقرءون " مشيرا بذلك إلى أهمية ثقافة المُشاهد ومعرفته . وحتى نتبين المفهوم الذي يحبذه " آيفري " في هذا النوع من الأفلام فإننا نتساءل عما يشكله فيلم " بيكاسو " من قيمة أو متعة بالنسبة للذين يجهلون معرفة هذا الفنان 000 هل يمكن وصفه من هذه الزاوية بالفيلم الثقيل أو الساذج ؟ هل على " آيفري " أن يفكر في ذلك ؟ لقد وفق " آيفري " إلى حد ما في خلق رواية سينمائية جذابة تُحفِزُ على البحث عن بقايا حياة " بيكاسو " وفنه ، وتُرضي في الوقت نفسه أذواقا مختلفة . عن ذلك يقول " آيفري " : [ كم من المَشاهد يمكن تصويرها للفنان وهو يرسم أو ينحت ! الأمر الممتع هو كيف سارت حياتهم وتأثير ذلك على فنهم ، ثم ما هي الدوافع التي جعلت هذا الفن يكون على هذا النحو ….] ليس غريبا أن يكون " آيفري " أحد ابرز السينمائيين المولعين بالتعامل مع النصوص الأدبية . خاصة وان السينما دون باقي الفنون ، تميل إلى التكامل الوظيفي في الأسلوب والإيصال والمعالجة الجمالية ، لتساهم بجدارة في خلق القيم التي نعيش بها . لابد من الإشارة هـنا إلى الأداء الرائـع والمتميز للممثلة " ناتاشا ماكلون " والممثل " إنتوني هوبكنز " الذي أضاف بعدا جماليا آخر للفيلم .
جيمس آيفري : مخرج أمريكي مقيم في بريطانيا من مواليد 1930 عُرف عنه تعامله مع النصوص الأدبية المختلفة .من أفلامه نذكر:( أهالي بوسطن – 1984 ) عن رواية لهنري جيمس . ( غرفة ذات منظر – 1985 )و ( موريس -1989 ) و ( نهاية هوارد- 1992) عن ثلاث روايات لـ " أي . أم . فورستر " كذلك فيلمه الشهير ( بقايا النهار – 1993 ) عن رواية للياباني " كازوو إيشغورو " الذي برع فيه الممثل " هوبكنز " والممثلة " أيما تومسون " .
* ما بين الأقواس الكبيرة [ … ] نقلاً عن مقال : بحثاً عن " بيكاسو " – ابتسام عبد الله- الموقف الثقافي (1 ) و(2 ) / 1996 بغداد .
| |
|