عدد الرسائل : 203 العمر : 38 تاريخ التسجيل : 14/05/2007
موضوع: الاغاني الدينية، آخر موضة الإثنين 29 أكتوبر 2007, 4:29 am
الاغاني الدينية، آخر موضة ظاهرة تكتسح الفضائيات العربية وخاصة القنوات الغنائية؛ فنانون يغيرون لونهم ويتحولون إلى منشدين ومغنيين دينيين. بعضهم اكتفى بأغنية واحدة، وبعضهم أبى إلا أن يكمل المشوار ليخرج لنا ألبوما كاملا يحتوى على أغاني وأناشيد دينية. وعلى ما يبدوا أن بورصة الأغاني الدينية في ارتفاع هذه الأيام مما جعل أغلب الفنانين والمطربين يتنافسون في الظهور للجمهور، يدعون للتوبة والتسامح وحب الله والرسول. ربما يعود سبب هذه الظاهرة غير المألوفة في أوساط الفنية الغنائية أن الجمهور العربي وصل لمرحلة من الرقي والنضج تجاوز فيها تقبل ذلك النوع المبتذل من الأغاني الذي أجتاح حياتنا رغماً عنا. فبتنا نستمع لها مجبرين ساخطين حيناً، وحيناً مرديين لها نهز رؤؤسنا طربا بغباوة. وحيث أن الكلمات دينية واللحن غالباً ما يكون شجيا وعذبا تطرب لسماعه الإذن ويقشعر له البدن فأن "الكليب" لابد أن يكون متناغماً مؤثراً. لذا نجد أن معظم الفنانين ظهروا لنا بوجوه ملائكية وعيون دامعة خاشعة وملابس بيضاء فضفاضة كحمائم السلام. والفنانون هذه المرة أظهروا لنا موهبتهم الفذة في التمثيل. فبعضهم ظهر لنا رافعاً يديه للسماء متضرعاً وشخص آخر ظهر بيديه مسبحته يسبح لله (وفي نفس الوقت يغني!) وأحدهم ظهر لنا وهو يتوضأ تأهباً للصلاة بمهابة خاشعة للقاء الله (ولست أدري أن صلى بعدها حقاً أم لا؟) وإحداهن لبست قناع التوبة وخلعت عنها قناع الهشك بشك (ولست أدري أيضاً بمجرد انتهاء التصوير خلعت حجابها أم رمت به؟) وكل هذه المشاهد ما هي إلا محاولات للتأثير من جديد على عقل المشاهد العربي وأسره وبالتالي استنزاف أمواله بشكل مختلف. انت يا عزيزي المشاهد متأثر أيما تأثير وتذرف الدمع صادقاً خاشعاً لحب الله مصدقاً تلك الوجوه البريئة. حتى أنك وفي غفلة من ذاكرتك ستحدث نفسك أنهم أولياء الله الصالحين بل وتتمنى لو أنك تستطيع تقبيل أيديهم وتجهر توبتك أمامهم في محاولة لتطهر نفسك من كل إثم لحق بك، وتتغافل عن كونهم هم نفسهم الذين يظهرون لنا يتانطون ويقفزون ويتقلبون على الاسرة يتبادلون الحب مغلفاً بخلاعة ومجون ويشاركون في تصوير هذه المشاهد بالإضافة إلى الرقص المصاحب لأغانيهم بدء بهز الوسط (الرقص الشعبي) ختاماً بتلك الرقصات المستحدثة الهمجية التي تذكرني برقصات تلك القبائل الإفريقية التي لاتزال تعيش وتمارس الحياة بالفطرة. هل هذا الفن يحترم أصول وقواعد هذا الدين؟ لا ينقذك من سهوك غير ذلك الصوت الماجن. ففي جل لحظاتك الإيمانية وما تكاد تنتهي الأغنية الدينية حتى يفاجئك صوت ذلك المعلق أو المعلقة ذات النبرة الخليعة وكأنها تصفعك أو تنهرك وتقول لك "هو أحنا فاتحين القنوات دي تكية؟ يالله حمل النغمة لمحمولك أو أذهب وأشتر الشريط ماذا تنتظر، ولا تنس أن تذكر بأنها أجمل النغمات وأحلى رنات وحملها لتزيد حسناتك في شهر رمضان الكريم، وكل شيء بثمنه، لاشيء دون مقابل ولا تنس الاتصال بالخط الديني." في واقع الأمر هذه الظاهرة قد تكون جيدة، على الاقل لانها قلصت عدد الأغاني المبتذلة أو أدرك الفنانون أن الجمهور العربي يقدس الأغنية الدينية والروحانية ويبتهج لسماعها رغم أن هذه الجمهور هو نفسه الذي حقق الرقم القياسي في متابعة الأغاني الغثة والمطالبة بها. ويظهر ذلك لنا جلياً من خلال متابعة sms وكذلك الإقبال على شراء هذه الأغاني والاحتفاء وبثها في الأماكن العامة تتغني بفحش الكلمات وفداحة الإلحان، وأن نستمع لأغان دينية حتماً أفضل بكثير من الاستماع إلى اللاشيء. وإزاء هذه الظاهرة تتولد العديد من الأسئلة، أهمها حجم التناقض الذي يعيش فيه مطربو اليوم؟ فكيف للمشاهد العربي أن يصدقهم أو حتى لا يفكر في مدى تناقضهم وهو يشاهد أحد الفنانين (الشعبيين مثلاً) يتغزل بجسد أحدى الراقصات بكلمات مبتذلة رخيصة في أحدى المراقص الليلية ثم يظهر في اليوم التالي يغني أغنية دينية؟ وأخرى تظهر ترقص "شبه لابسة" في أحدى أغانيها المصورة، وفي اليوم التالي تطل بحجابها لتتغنى أيضاً بأغنية دينية والأمثلة لا تنتهي لو عددنا ما خلصنا. إذا هل نحن كجمهور مطلوب منا أن نصدق هذا التناقض الغريب بل ونستمع لهم ونحن في أعماقنا ندرك حقيقتهم؟ وهل الفنانون عندما يقدِمون على تسجيل هذه الأغاني لا يدركون حجم العبء الذي سيقع عليهم في المستقبل؟ ولا أخالهم قادرين على تحمله وهو الظهور بمظهر لائق محترم وتقديم أغاني تحترم عقل الجمهور ودينه. ثم لم تبرز هذه الظاهرة قبل ظهور الفنان سامي يوسف الذي لم يناقض نفسه وأختار لونه الغنائي عن صدق وحب لهذا الدين؟ وجل ما نخشاه أن تصبح الأغاني الدينية موضة فتظهر لنا مثلا أحدى فنانات اليوم تتلوى في فراشها تتغنى بالله أو الرسول، نعتقد أن هذا الموضوع لن ينقص أو يزيد في شهرتهم أو شعبيتهم أو ثرائهم. لذا لو ألتزم كل فنان بلونه واكتفى بنصيبه وعائداته المادية وجمهوره كان أفضل له وللجمهور وأن الفنان إذ كانت تجربته صادقة ونابعة عن حب حقيقي لدينه ولربه فأن عليه أن يدرك أنه عليه عبء كبير وهو أن يظهر للجمهور مستقبلا حتى في أغانيه العاطفية بشكل محترم وتصوير محترم وكلمة راقية ولحن جيد. أن الجمهور العربي قد يتعرض ذوقه العام إلى الانحدار نتيجة للغزو الإعلامي وفرض عليه نوعية معينة من الأغاني بطرق مختلفة. فقد يألف هذه الأغاني المبتذلة ويرقص على ايقاعها ويرددها لكنه حتماً لن تدوم معه هذه الأغاني، لن يحملها أو يخلدها في ذاكرته فسرعان ما يقذفها من تلك الذاكرة ويعود له صوابه ويصل مع الوقت إلى الوعي الذي يجعله يدرك الغث من الجيد.