إن حمامات بغداد كان ضمن بنائها حوض كبير جداً ممتليء ماء وكانت الحمامات توقد بطريقة لا وجود لها اليوم إذ كان إلى جوار كل حمام من هذه الحمامات تل أو ما يشبه التل من روث الحمير يشترونه من النكاكيب وهم باعة المواد الإنشائية الذين يبيعون الطابوق والجص والقصب والحصران إذ يكون لهؤلاء الباعة عدد من الحمير فإذا روثت في العادة حملوا الروث إلى الحمامات وباعوها لأصحابها فيضيعون بعضه على بعض في مكانها الذي ذكرناه فيكاد يشبه تلا عالياً جدا . وينشأ من هذا الروث بعد إحراقه لتسخين ماء الحمام نوع من الرماد شديد الزرقة كان أصحاب الحمامات يبيعونه لبائعي المواد الإنشائية إذ يخلطونه بالنورة فينشأ منه ما هو اشد قوة من السمنت الذي يخلطونه اليوم بالرمل فيبنون به المباني التي يريدونها ومنها ما يكون من أسس الجدران .
ومن لاحظ المسنايات وهي ما يكون على حدود النهر وأطرافه من بنايات تتخذ سوراً للبلد إذ تقوم عند ذاك السدود والأسوار فإن أسس هذه الجدران مكونة من هذا الرماد المخلوط بالنورة والنورة لا تزال موجودة وهي صخور تجلب من مدن عراقية تقع في شمال العراق فإذا سكب عليها الماء تفتتت وظهر لها بخار شديد حارق فإذا بردت خلطت بالرماد بنسب يعرفها البناؤون فيبنون بها ما أرادوا بناءه .
وكان هذا الرماد ويسمى رماد الطمة يستغله بعض الكسبة فيشوون به الشلغم والشوندر وفي الصباح يستخرجون مخباتهم ليبيعونها على الآكلين الذين يتجمهرون هناك ولا يوجد ألذ من الشلغم والشوندر الذي ينضجونه شياً على هذا النحو وهو مالا وجود له اليوم بسبب تبدل نظام تسخين الحمامات التي هي أيضاً لم يعد لها وجود. وللشوندر والشلغم طرق أخرى في السلق وما إليه ما يباع للناس أيام الشتاء خاصة.
ويتألف الحمام من منزع ويقع في مدخل الحمام فيه تخوت عليها فرش فإذا دخل المستحم ترك ملابسه هناك وأعطى بعض البشطمالات ليتأزر بها وتقدم للمستحمين القباقيب الخشبية التي هي نعال خشبية والتي انقرضت أو كادت تنقرض في بيوت الناس. وكانت تصنع في بغداد بأحجام متعددة من صغار وكبار.
ويدخل المستحم بعد ذلك في جهة تكون داخل الحمام حيث توجد مواقع فيها الماء الحار والبارد فيجمع بينهما على نحو ما يشاء من ماء ذي حرارة شديدة أو متوسطة أو خفيفة ويجتمع على حوض الماء هذا أكثر من شخص قد يكونان دخلا الحمام معاً أولا يكونان كذلك.
فإذا أتم المستحم استحمامه طرق على الحوض بطاسات نحاسية تكون هناك فيسمعه من هناك من العاملين في الحمام ويقال لواحدهم (الأوكير) فيأتي إليه حالاً بمناشف بيض نظيفة ليخلع البشطمال الأحمر الذي يتازر به ويتنشف بالمناشف المقدمة إليه وقد يكون بعض المستحمين قد جلبوا معهم مناشفهم البيتية الخاصة التي يأتي بها الاوكير من مكانها في المنزع إلى المستحم بعد إتمام استحمامه.
وفي الحمام من يقال له مدلكجي أي يقوم بغسل المستحم وتدليك جسمه بالليفة التي تكون من القطن عادة وقد تكون خشنة وقد تكون ناعمة ويدفع إليه المستحم أجرة تدليكه وهي غير أجرة الحمامجي أي صاحب الحمام الذي يجلس عند مدخل الحمام وفي الحمام أيضاً مواقع خاصة لأغراض تتعلق بالاستحمام ولها تسميات خاصة. وفي العادة الغالبية يدفع المستحم شيئاً من الجعالات والإكرامية لعمال الحمام الذين يقومون على خدمة المستحمين وعند ذاك ينادي صاحب الحمام بصوت شبه مرتفع مسمياًَ الكمية المالية الممنوحة لأولئك العمال. وبديهي أن الحمامجي يشارك العامل في إكراميته هذه عند المحاسبة.
أما حمام النساء فانه هو نفسه حمام الرجال إلا أن ذلك الحمام يترك نهاراً لاستحمام النساء ويعمل ليلاً في خدمة الرجال المستحمين.
ومن عادة النساء أن يطلن المكث في الحمام وقد يكون بقاؤهن فيه مستغرقاً ساعات النهار الطوال ولا يسمح للصبيان وان كانوا صغاراً بالدخول في حمام النساء وهناك في مواد الاستحمام النسائية ما يقال له ركية وهي كرة دائرية من نحاس لها غطاء توضع في داخلها مواد الاستحمام من صابون وليفة وكيس خاص وغير ذلك ولا نرى هذه الركية موجودة الآن.
وبعض حمامات النساء خاصة بالنساء في سائر الأوقات ومن هذه الحمامات حمام أسومة في (محلة تكان شناوة) وأشهر الحمامات في بغداد حمام المالح وحمام عيفان وحمام كجو وحمام القاضي وحمام الكهية وحمام السيد وغيرها وبعض الحمامات تكاد تكون خاصة لمستحمين لا يتردد غيرهم عليها ومنها التي لا تسع أكثر من أربعة أشخاص وهي تقع داخل البيوت ولكني لا أعرف كيف يجري إيقادها والحمام الذي أشير إليه الآن يقع في محلة الحيدر خانة وكان يستحم فيه نوري السعيد أحد رؤساء الوزارات السابقين ومن الحمامات حمام الباشا الخاص بالرجال والآخر خاص بالنساء في محلة الميدان قرب سوق الهرج