الشبك من الأقوام الارية التي قدمت من بلاد اذربيجان التي كانت ضمن اراضي الامبراطورية الفارسية واستوطنت في منطقة سهل الموصل واختلطت وتصاهرت مع بعض العشائر العربية والكردية والتركمانية وتشابكت مع بعضها البعض وكونت مجموعة سكانية متميزة، وهذا الحال أي المصاهرة والاختلاط يكاد يعمم على مختلف القوميات العراقية.و يتوزع الشبك في منطقة سهل الموصل في مثلث منقلب القاعدة حيث تشكل قراهم (حوالي السبعين قرية) هلالا أو حزاما يحيط بمدينة الموصل و يمتد على طوال (70) قرية إضافة إلى سكن أعداد كبيرة منهم في مركز مدينة الموصل. ويتراوح عدد أبناء الشبكيين بين 400 إلى 450 ألف نسمة .
إن للشبك كل مقومات القومية الاساسية المستقلة عن القوميات الاخرى وهناك الكثير من الوثائق والمذكرات الصادرة من الحكومات العراقية المتعاقبة التي تؤكد ان الشبك قومية مستقلة وقد جاء في احدى المذكرات الخاصة بتفتيش منطقة الحمدانية ذات الاغلبية الشبكية ( مذكرة رقم 541 عام 1952 م ) بأن منطقة الحمدانية تتكون من عدد من القوميات اكثرهم عددا القومية الشبكية ومن ثم القومية العربية والكردية والتركمانية والمسيحيين وهذا اعتراف واضح وجلي من الحكومة الملكية العراقية باستقلالية الشبك عن الاخرين .كذلك للشبك لغتهم الخاصة لغة وهي تنتمي الى مجموعة اللغات الارية الهندواوربية، وهي لغة بحد ذاتها وليست لهجة من مجموعة لهجات اخرى وتتميز بمفرداتها الخاصة واسلوب لفظها على الرغم من احتوائها على كلمات دخيلة من اللغات الاخرى بسبب التداخل الجغرافي مع الاثنيات الاخرى.
قد لا يختلف الواقع الاجتماعي للشبك عن واقع الشعب العراقي بشكل عام الا في حدود معتقداته ولغته وعاداته وتقاليده وخصوصيته ضمن مكونات الشعب العراقي الأخرى، أما من الناحية الاقتصادية فيمتاز الشبك بامتلاكهم أراضي زراعية شاسعة سهلة وغصبة في سهل نينوى فضلا عن تربية الماشية والسيطرة على تجارة اللحوم الحمراء, اما على صعيد التجارة المحلية فينفردون بامتلاكهم عشرات الشركات الخاصة بنقل وتجارة النفط والبضائع التجارية داخل العراق وخارجه والتي تكونت نتيجة قيامهم بتاسيس الشركات المساهمة والتضامنية وكل ذلك ادى الى انخفاض نسبة البطالة بين ابناء المجتمع الشبكي .
عقيدة الشبك:
لم تسلم عقيدة الشبك الدينية من التشويه والتشكيك حتى في انتمائهم الى الاسلام فقد ذهب البعض الى اعتبارهم من فرق الغلاة والخارجين عن الاسلام بل عدهم البعض من اتباع ديانه خاصة ولهم كتابهم المقدس وممارساتهم وطقوسهم الخاصة بهم لاغراض طائفية. والحقيقة أن جميع الشبك هم مسلمون وكتابهم المقدس هو القران والنسبة الغالبة منهم( ما يقارب الـ 70%) من الشيعة الامامية (الاثنى عشرية) . أما بالنسبة للشبك السنة فهم متوزعون بين عدد من القرى الشبكية يسكنون مع إخوانهم الشيعة وغالبيتهم يعتقدون بالمذهب الحنفي والشافعي،ومن الجدير بالذكر ان العديد من العوائل الشبكية تأثرت ببعض الطرق الصوفية في الماضي ومن اهمها الطريقة البكتاشية التي أثرت في المجتمع الشبكي تأثيرا كبيرا .
من الناحية السياسية :
في أوائل القرن العشرين عانى الشبك من سيطرة الانكشاريين (الجيش التركي) على المنطقة وفرض الاتاوات على الاهالي بمساعدة الإقطاعيين الذين كانوا اشد قسوة في فرض الأتاوات من الانكشاريين وقد كانت هذه واحدة من أهم الأسباب التي دفعت عددا غير قليل منهم إلى الهجرة من الريف الى المدينة. استمرت معاناة الشبك في العهد الملكي من الاضطهاد الطائفي بسبب انتماء غالبيتهم الى المذهب الشيعي الجعفري إلا أن التعصب المذهبي بدا يضمحل بعد منتصف القرن الماضي نتيجة التفاعل التجاري و الاقتصادي والاجتماعي في مناطق سكناهم وبدات الحكومات المتعاقبة تهتم بهذه المناطق شيئا فشيئا الا ان هذا الاهتمام كان بقصد تنفيذ سياسات معينة تخدم اهدافها بالدرجة الاساس. وقد اعترفت الحكومة في حينها بأقليات منطقة الموصل الا انها لم تصل الى مرحلة يمكن القول فيها انها اعطت أقليات هذه المنطقة حقوق الأقليات، وبعد استلام النظام السابق للحكم 1968 تعرض الشبك الى اضطهاد واضح خاصة خلال حرب الخليج الاولى واتهام عدد كبير منهم بولائهم لايران، وهذه ما تؤكده الوثائق الصادرةعن جهاز الامن الخاص وجهاز المخابرات الموجودة بين ايدينا علما ان الشبك قدموا الكثير من الشهداء والمفقودين والاسرى والمعوقين في الحرب العراقية الإيرانية.وطيلة العقود الماضية منع الكثيرون من ابناء الشبك من اكمال دراساتهم او تعيينهم في المناصب المهمة في الدولة وحتى البعثيين منهم لم يعطوا ما يستحقونه من مناصب وذلك بسبب التشكيك بولائهم، ولم تكتف الحكومة السابقة بهذا بل تمادت في اجراءاتها بطمس هويتهم من خلال سياسة تعريب المنطقة وفرض الهوية العربية عليهم قسرا. وعلى هذا الأساس قامت الحكومة بترحيل وتهجير اكثر من ثلاثة الاف عائلة شبكية بعد ان تم تدمير البيوت أمام ساكنيها وهذا ما أدى إلى تدمير 30 قرية من قرى الشبك ومصادرة عقاراتهم. الان يتعرض الشبك إلى أنواع جديدة من الإبادة الجماعية والتهجير القسري في مدينة الموصل من جراء الحرب التي اعلنتها التنظيمات الارهابية عليهم، وهذه الانتهاكات مؤكدة بوثائق واحصائيات قدمها الشبك الى منظمات الرصد والدفاع عن حقوق الإنسان ومنظمة الأمم المتحدة والحكومة العراقية حيث بلغ عدد المهجرين من بيوتهم قسرا ثلاثة الاف عائلة حسب الاحصائية التي اجرتها لجان الوحدات الادارية في المنطقة واكثر من خمسمائة ضحية من ابناء الشبك حتى الآن.
بعد 9/4/2003 بدأ الشبك بالتحرك السياسي لملئ الفراغ الذي ابعدو عنه ابان الفترة السابقة وتفائل الشبك بتغيير النظام في العراق وعقدوا الامال على قدرتهم على إبراز خصوصيتهم ضمن اطياف الشعب العراقي وايصال صوتهم والتمتع بحقوقهم المشروعة للحفاظ على هويتهم . وحققوا انجازات عديدة منها إنشاء كيان سياسي يمثلهم سياسيا واجتماعيا ضمن القوى الوطنية العراقية إضافة إلى تمثيلهم في مجلس محافظة نينوى بأكثر من عضو وأكثر من رئيس وحدة ادارية في المناطق التي غالبية سكانها من الشبك وافرز نشاطهم السياسي مرشح منهم في البرلمان الحالي الذي يمثله د . حنين القدو الممثل السياسي للشبك، كما أثمرت هذه الجهود تضمينهم في ديباجة الدستور العراقي مع الأقليات العراقية الأخرى أسوة بها. إن للشبك علاقة طيبة مع اخوانهم الكرد والعرب والتركمان واليزيديين والمسيحين في المنطقة ولهم علاقات تاريخية طيبة معهم حيث يجب ان لاتفسر هذه العلاقة الطيبة على انها علاقة ولاء وتبعية تخول الاخرين الحديث نيابة عنهم لا سيما أننا نتحدث عن عراق ديمقراطي. فما زلات الأقليات في العراق تعاني من سيطرة الكتل السياسية الكبيرة حتة داخل البرلمان وهذا على ما أعتقد حال الأقليات في جميع انحاء العالم اذ انها تظل تعاني من الدكتاتورية سواء من السلطات الدكتاتورية أو من الأكثرية البرلمانية ونأمل ان تكون هذه العقبات قصيرة الامد وان تكون الشعارات التي تطرح في عراق اليوم حقيقية وتقترن بالأفعال، نحن بحاجة اليوم الى جهود الخيرين لاحترام حقوق الأقليات وفسح المجال امامها للتعبير عن رأيها وتحديد وجهتها بما ينسجم والمبادى الديمقراطية وبما يقوي وحدة العراق
============================
محمدالشبكي، باحث و رئيس لجنة الاعلام في منظمة الاقليات العراقية