[/size=18]الإيزدية ديانة قائمة بذاتها ، لها من العادات والأعراف والاعتقادات والتقاليد والمراسيم ما يميزها عن بقية الأديان. هي ديانة توحيدية ،لا وجود لمفهوم الشر الخالص في فلسفتها ، ففي الايزدية ( للخير والشر منبع واحد) ، كما هي ديانة قديمة ترجع اصولها الى ألاف السنين قبل الميلاد، حيث إن معظم إعتقاداتها ومراسيمها تعود الى زمن السومريين، وبالأحرى تعود جذورها الى الديانات الشمسية القديمة والى الديانة الميثرائية على وجه التحديد حيث و إلى اليوم يتوجه الإيزيديون إلى الشمس عند الصلاة.
ولرمزية الملك (( طاؤوس )) وشخصية المرشد (( شيخ أدي )) حيزٌ كبير بين ثنايا هذه الديانة ، فالأول يشكل العمود الفقري لفلسفتهم الدينية، والثاني يعتبر المجدد لديانتهم .
كان لهذه الديانة كتابان مقدسان هما ( مصحف رش ) و ( الجلوة ) ، ولكن بمرور هذه الديانة ومعتنقيها بمراحل وحقب زمنية عديدة وعصيبة ، لم نقف حتى الآن على النسخ الأصلية لهذين الكتابين ، لكونها_ الايزدية _ قد تعرضت الى العديد من الحملات العسكرية ، وخاصةً إبان الاحتلال العثماني لمناطق تواجدهم. كان يعتنق معظم الكورد الإيزيدية قبل إنتشار اليهودية والمسيحية والإسلام ، بدليل إن معتنقيها لا يتواجدون إلا في كوردستان أو على حدودها ، وإن لغة هذه الديانة هي الكوردية ( اللهجة الكرمانجية - الشمالية ) ، وجميع نصوصها وأدعيتها الدينية المقدسة هي باللغة الكوردية، بل وكافة طقوسها ومراسيمها تقام وتقال وتلقن باللغة الكوردية ، كما إن جميع عشائرها هي عشائر كوردية أيضاً ، وإستناداً الى ما جاء يمكننا القول وبكل ثقة إن الديانة الإيزدية هي التى حافظت على التراث والثقافة الكوردية الأصيلة . بالرغم من عدم وجود إحصاء سكاني دقيق لمعتنقي المعتقد الإيزدي ، ولكن_ حسب تقديرات المهتمين _ يبلغ عددهم في العالم يقارب المليون نسمة ، موزعين بين : العراق ، تركيا ، سوريا ، أرمينيا ، جورجيا وإيران .. وفي دول أوربية اخرى ، وتعد كوردستان العراق المركز الرئيسي لهم ، حيث معبد لالش (معبدهم المقدس) وبيت الإمارة الإيزدية .
للإيزدية ثلاث طبقات دينية منتسبة هي : الثيرة والشيوخ والمريدية ، والزواج محرم بينهما ( اي هذه الطبقات ) ، وهي ديانة غير تبشيرية .. وقد عاصرت وعايشت الإيزدية ديانات أخرى ، ولا يخفى بإنها قد أثرت وتأثرت بتلك الديانات ، لذا فأنها تقترب بالكثير من المفاهيم الدينية منهم ، وتختلف في بعضها الأخر، إذ يعتقدون بتناسخ الأرواح ، ولديهم العديد من الأعياد تجري فيها مراسيم تعود جذورها الى الأديان الطبيعية القديمة .
ذاق معتنقو الديانة الإيزدية الأمرين ، فهم تعرضوا الى أكثر من (72) حملة إبادة جماعية ، لغرض إحتوائهم و صهرهم وإبادتهم ، كما تعرضوا ومنذ تشكيل الدولة العراقية الحديثة ( 1921) والى يوم زوال نظام صدام حسين ( النظام البعثي ) الى حملات التعريب والتهجير، وغيره ، ناهيك عن تعرضهم مع إخوانهم المسلمين الكورد في سوريا الى التعريب ، وفي تركيا الى التتريك ، وفي إيران الى التفريس ، لا لشيء سوى لأجل طمس هويتهم القومية .
وبسبب التطورات السريعة والحساسة على الساحة العراقية بعد سقوط النظام البعثي سأتناول الشأن الإيزدي من الناحية السياسية في هذا الجزء القلق ( العراق ) ، فبعد السقوط أحتفل الإيزديون مع بقية مكونات الشعب العراقي بالتحرير من بطش النظام السابق ، وانفتحوا أكثر على ممارسة السياسة ، ولا يخفى هنا إن الإيزديين قد مارسوا السياسة وحملوا السلاح جنباً الى جانب مع المسلمين الكورد وبقية مكونات المجتمع الكوردستاني إبان ثورتي أيلول وأيار الكورديتين بقيادة الخالد مصطفى البارزاني وإنتفاضة أذار عام (1991) وإنخراطهم معترك السياسة بين صفوف الأحزاب الكوردستانية المختلفة . أيضا بعض السقوط، قامت فئات من الأيزدية بتأسيس حركات وأحزاب وتجمعات مستقلة عن الأاحزاب الكردية، البعض منها تنكر القومية الكوردية للأيزديين، وتعتقد بأن الأيزدية( دين وقومية على حدٍ سواء !) وقد لاقت مثل هذه الأفكار إستئناساً من قبل البعثيين المهزومين وبعض دول الجوار ، فمدوا يد العون المادي والمعنوي لهذه الحركات ، حتى أصبح لها شيء من الوجود على الساحة السياسية العراقية ، وأبرزها ( الحركة الإيزدية من أجل الإصلاح والتقدم ) التى حصلت على ما يقارب العشرين ألف صوت ، في حين صوت أكثر من خمسة وثمانين ألف ناخب لصالح قائمة التحالف الكوردستاني ، وذلك في الإنتخابات النيابية الأخيرة التى جرت في العراق ،وأصبحت للحركة المذكورة من يمثلها في البرلمان العراقي بمقعد واحد ، دون تمثيل يذكر في بقية مؤسسات الدولة كالوزارات والمديريات العامة. في الوقت الذي مثل الإيزديين نائب واحد أيضاً عن قائمة التحالف الكوردستاني في البرلمان العراقي والعشرات من أعضاء مجالس النواحي والأقضية والمحافظات ، إضافةً الى القائممقاميين ومدراء النواحي .. وغيرهم .
للحركة الأنفة الذكر، علاقات متينة مع فلول البعث المنحل ، ومع جبهة التوافق ، وأيضاً مع بعض الأحزاب والحركات الأشورية ، وهي بذلك تعادي الأحزاب والحركات الكوردية، التي ينتمي اليها غالبية الايزديين ، والهدف الرئيسي لهذه الحركة هو تجريد الإيزديين من قوميتهم الكوردية ، كما يميلون الى التطرف الديني ، حيث يحاكون بذلك الأحزاب الإسلامية المتطرفة، فيعلنون بين الحين وآخر عن تشكيل سرايا مسلحة تدافع عن أهدافهم، على أنهم ، وفي الآونة الأخيرة قد فقدوا مصداقيتهم في الشارع الايزدي وذلك بعد أن تبين أنهم لايمثلون تطلعات وامال الايزديين .
إن جل مخاوف الايزديين في عراق اليوم يكمن في وجود وانتشار النعرات الطائفية و الدينية والمذهبية التي تتبناها الأحزاب والحركات الإسلامية المتطرفة، فهي عدى أنها تهدد وجودهم،فإنها تتعارض مع تطلعاتهم إلى فصل الدين عن الدولة، وانتشار مفاهيم حقوق الإنسان، والتعايش السلمي والأخوي بين جميع مكونات الشعب العراقي. [/size]