صادق الحوت
عدد الرسائل : 160 تاريخ التسجيل : 11/05/2007
| موضوع: سوق الشيوخ مدينة في العراق لا تتميز سوى بغرابة أسمها الأربعاء 12 سبتمبر 2007, 8:40 am | |
| مدينة أسمها سوق الشيوخ مدينة في العراق لا تتميز سوى بغرابة أسمها كل المدن لها مسميات تتعلق بتاريخها أو زمانها الا هي .. فالمدينة أسمها ( سوق الشيوخ ) .
والحقيقة أنها ليست سوقاً ولا منتجعا سياحياً ولا مرفقا أثارياً رغم قربها من أطلال أور وبقايا الدولة السومرية العريقة ، وبالرغم من كونها على حافة التاريخ البشري الموغل في القدم ، لكنها تتميز بأن أهلها جميعهم شيوخ ، ومعنى الشيخ ليس فقط رئاسة العشيرة أو القبيلة ، وأنما القدرة على الحكمة والشجاعة والكرم والثقافة الشعبية
هذه المدينة التي تحتضن الفرات عندما يتلوى غنجاً قبل أن يعانق أطراف الهور ، من المدن العجيبة والجديرة بالملاحظة والالتفات والاهتمام
تتميز بقدرة أبنائها على نظم جميع أنواع الشعر الشعبي ، ففيها يرضع الصغار الشعر الشعبي ويتبارى الكبار ليس في شعر العامة بل حتى في شعر المعلقات والعرب عموماً ، فالثقافة في السوق لاتتقيد بالمستوى الأجتماعي أو الطبقي ، انها القاسم المشترك الذي يتلبس قلوب الجميع ، مثلما حباها الله بأصوات شجية تتميز على غيرها بقدرة أولادها على أداء جميع أطوار الغناء العراقي الجنوبي والفراتي الشجي والصعب
تتميز بجمال نسائها وتميزها باللباس الشعبي الفلكلوري الذي يزيد المرأة جمالاً وأنوثة ومهابة فيتميز الجرغد والهاشمي والشيلة في السوق عن سواها من مدننا الجميلة .
تتميز السوق بكرم أهلها ومحبتهم وتقديرهم للغريب واحتضانها للمبعدين والمنفيين من السياسيين الذين بقوا يتذكرون اصالة اهلها ودفء حنانهم على الضيوف ، وسمو أخلاقهم وثقافتهم غير الاعتيادية ، كثيرة العطاء .
أسمها سوق الشيوخ وشبابها ونسائها شيوخ حقاً ، و قبل تأسيس الدولة العراقية وبعد الحكم الوطني مروراً بالجمهوريات العديدة ، تميزت السوق بمواقفها الوطنية المناهضة للاستعمار والرجعية والسلطات الظالمة ، ولهذا برز من شبابها الكثير من كوادر الحركة الوطنية في العراق ، وأحتفظت المدينة بذكريات رائعة حينما ارتبطت بعلاقات حميمية وصادقة مع المبعدين السياسيين من مناطق الموصل والمنطقة الغربية ، مثلما تميزت علاقة أهلها الشيوخ مع الأخوة الكرد المبعدين اليها من قبل السلطات ، فكانوا أصدق من يجسد العلاقة الأخوية بين العرب والكرد ، ومازال الأخوة الكرد يتحدثون كثيراً عن هذه العلاقة .
وسوق الشيوخ متوحدة في مواقف أبنائها الشيوخ ، وخير مثل مواقفها ضد الاعتداء الثلاثي على مصر ، و كذلك فاعلية ومشاركة أبنائها ونسائها بالانتفاضة ضد السلطة الدكتاتورية عام 1991 ، ومن ثم تبعثر أبنائها في مجاهل الأرض طلبا للأمان الذي أفتقدوه في بلادهم بعد أن تركوا ورائهم من ينظم الشعر ويقول الهوسات الممتلئة بالحكمة والمناهضة للسلطة رغم كل هذا الزمن الصعب
غير أن المدينة بقيت يغلفها الحزن ، وتتكسر بين جدران بيوتها الشعبية الغصة وتمتلئ عيون نسائها بالدموع وهن يفارقن الأولاد والأخوة والأحباب .
وأذا أستطاعت السلطة الدكتاتورية في غفلة الزمن أن تسرق البسمة والفرحة من عيون السوق ، فأن المدينة وعشائرها وأهلها يقظة وبأنتظار بارقة الأمل لتتقدم الصفوف دوماً كما عرفناها .
ومع كل هذا تجد الكثير الكثير من أولادها من يمتلئ تفاؤلاً وأيماناً بقدرة الناس أن يعيدوا ما هدمته ونسفته السلطات الظالمة .
وها قد لاحت تباشير الفرح الديمقراطي الذي طالما ناضل من اجله رجال ونساء السوق ، وقد انتشرت في سماء السوق الوان الفرح وهي تعيد احتضان اولادها المنتشرين في أصقاع الارض ، وتعيد البسمة الى الناس وترجع السوق سوقاً للشيوخ والكرم والأصالة والفرح بعد أن رحلت كل غيوم الحزن والكآبة ، فتسمع على أطراف الفرات طرقعة الإصبع التي أشتهر بها المنتشين من أبنائها في جلسات السمر والفرح الكثيرة في سوق الشيوخ .
هي مدينة ليست كالمدن ، ولذا سميت سوقاً للشيوخ وجسراً للمحبة ومضيفاً للطيبين | |
|