الأبواب الرئيسة لسور بغداد في العصر العباسي
روَى الطبري وغيره.. ان الخليفة المنصور لما عزم على بناء بغداد، أحب ان يعرف رسمها، فأمر ان تخط طرق المدينة بالرماد، ثم دخل من موضع كل باب، ومر في طرقات المدينة ورحابها، وهي مخطوطة بالرماد، ثم أمر ان يوضع على تلك الخطوط (حب قطن) ويصب عليه النفط، وتوقد فيه النار، فنظر اليه والنار تشتعل، وبذلك أمكنه الوقوف على رسم مدينته الجديدة، ثم حفر الأساس مكان تلك الخطوط وكان في عام (145هـ). جعل الخليفة المنصور مدينة بغداد مدورة، وجعل داره وجامعه في وسطها، حتى لا يكون أحد أقرب اليه من الآخر.. وهو نوع جديد من بناء المدن عند المسلمين.ولم يجعل المنصور حول القصر والجامع بناء إلا الدار التي بناها للحرس من ناحية باب الشام، وسقيفة كبيرة ممتدة على أعمدة، مبنية بالأجر والجص، خصص احداها لصاحب الشرطة، والآخر لصاحب الحرس، وجعل حول ذلك منازل أولاده، ومن يقوم بشؤونهم من الخدم والعبيد، وأتخذ حول ذلك قصور الأمراء، ورجال الدولة، ودواوين الحكومة، ومطبخ العامة، وأخذ البناؤون يبنون حول الدواوين دور الأهالي تتخللها الأسواق، وجعل للمدينة شوارع رئيسة أربعة، تتفرع منها شوارع أخرى.وأمر الخليفة المنصور ان يبنى لمدينة بغداد سوران: أحدهما سور داخلي عرضه من الأسفل (50 ذراعاً) ومن الأعلى (20 ذراعاً).. والثاني: سور خارجي ارتفاعه (30 ذراعاً) وعرضه كعرض السور الداخلي، وحوله من الخارج خندق عميق، أجري فيه الماء من القناة التي تأخذ مياهها من نهر (كرخايا)، وبنيت حافاته بالجص والآجر، وفوقه (163 برجاً) سمك كل واحد منهم خمس أذرع.. وكان للسور الخارجي أربعة أبواب رئيسة وهي: باب الكوفة.. ويقع في الجنوب الغربي، وباب البصرة.. ويقع في الجنوب الشرقي، وباب خراسان ويقع في الشمال الشرقي، وكان على نهر دجلة، ويوصل الى قنطرة السفن الرئيسة وكان يسمى باب الدولة،.كان قطر مدينة بغداد من باب خراسان الى باب الكوفة (2200 ذراع) ومن باب البصرة الى باب الشام كذلك، وعلى السور أبراج سمك كل واحد خمس أذرع، وبين السورين (60 ذراعاً) ويسمى (الفيصل) ويسمى السور الخارجي (سور الفيصل) وحوله الخندق ويسمى السور الخارجي سور المدينة.وكان بين البابين دهليز ورحبة توصل الى الفيصل الدائر بين السورين ويسمى الأول باب الفصيل، والثاني باب المدينة. والأبواب الأربعة على مثال واحد، من حيث الفصلان، والرحاب، والطاقات، أما الباب الداخلي أو باب المدينة، فيدخل منه الى دهليز طوله (20) ذراعاً وعرضه (12) ذراعاً.وقد بنى الخليفة المنصور قصره الذي أطلق عليه اسم (قصر الذهب) وبنى جامع أيضاً في وسط المدينة.. ويعد قصر الذهب والجامع مركز الدائرة، حيث تفرعت من أبواب السور الداخلي الذي يحيط بمركز المدينة أربعة شوارع رئيسة منظمة، متجه الى خارج المدينة على شكل محاور الدائرة.. حتى تنتهي الى الخندق، وقد أقيمت على جانبي هذه الشوارع الأبنية العالية، التي نسقت تنسيقاً بديعاً.ثم أمر الخليفة بتحويل أبواب قادة الجيش من رحبة الجامع، وجعلها في طوف المدينة هي وطاقاتها التي يبلغ عددها (35) وكان على كل باب من أبواب المدينة قائد في ألف جندي.وكان اذا وقف الانسان في نهاية أحد شوارع مدينة بغداد، رأى قصر الخليفة، وسرعان ما ازدحمت بغداد بالعلماء والصنّاع والتجار الذين أقبلوا عليها من كل حدب وصوب.. مما دفع الخليفة بالتفكير بالاقامة خارجها في مكان طيب الهواء فبنى في عام (157هـ) قصر الخلد.