الالمان والانكليز في بغداد

الالمان والانكليز في بغداد

فتح ناظم باشا بمعونة الالمان طريقا من الباب الشرقي الى منطقة الاسواق المركزية. وقد جرى بعدئذ تعريضه ومده الى باب المعظم على يد خليل باشا عام 1916 الذي اسماه باسمه (خليل باشا جادة سي)، ثم اصبح معروفا باسم الشارع الجديد عند دخول الانكليز، وعند بداية الحكم الوطني اطلق عليه اسم شارع الرشيد، تيمنا بامجاد هارون الرشيد، وهو اليوم من اهم الشوارع التجارية في المدينة.وقد حدث تغيير جوهري آخر في بنية المدينة هو ربط بغداد بأوربا بسكة حديد. فقبيل اندلاع الحرب العالمية الاولى، مدّ المهندسون الالمان الخط الحديدي، وانشأوا مجمع السكك في منطقة الصالحية، ومهدوا بذلك للتوسع العمراني الذي شهده الكرخ فيما بعد.
الانكليز في بغداد
اثر انهيار السد الذي انشأه ناظم باشا بفعل فيضان عام 1911 قام الانكليز، بعد ان احتلوا المدينة في 11 آذار عام 1917، بانشاء سد آخر. ويضم هذا السد، الذي يبدأ ايضا من الصليخ مستغلا الحواجز الترابية القائمة على الخندق المحيط بالاسوار القديمة، معسكر الهنيدي الجديد (الذي يسمى اليوم معسكر الرشيد)وينتهي عند نهر ديالى. وبفضل الامان الذي وفره السد الجديد من خطر الفيضان، اتسعت عمرانيا رقعة الارض على شكل امتداد طولي للمدينة بمحاذاة دجلة. وشرعت الاعظمية، التي حافظت على عزلتها حتى ذلك الحين ولمدة ستة قرون، بالامتزاج بالرصافة. اما في الكرخ فلم تكن هناك ضرورة لمثل هذه الاجراءات الوقائية بسبب وجود سدين، احدهما الذي بناه الالمان للسكة الحديد، والثاني بفضل المستوى المرتفع نسبيا لطريق الرمادي.وبدأ السكان الانكليز، الذي سكنوا اول الامر بجوار المقيمية البريطانية في محلة السنك بصورة رئيسية، بالانتشار ضمن المنطقة الواقعة جنوبي الباب الشرقي مباشرة.وسرعان ما كادت هذه المنطقة تقتصر على الجالية البريطانية. فأوجدوا فيها مطاعم لضباطهم وبنوا ناديا كبيرا، هو نادي العلوية، واتخذوا من الباب العباسي القديم، وهو الباب الشرقي، كنيسة لهم. وقد كان لافتتاح جسر مود العائم عام 1918 ان ارتبطت الصالحية في الجانب الغربي بالعبخانة في الجانب الشرقي، مما نجم عنه بالتالي انتقال السفارة البريطانية والجالية البريطانية الى الصالحية.وقد دخلت بفضل مهندسي السكك الحديد الالمان (قبل عام 1915) ومن بعدهم الانكليز، وسائل تقنية جديدة في اسلوب البناء، منها الجملونات الحديد والعقادة بالحديد التي تقضي استعمال حديد “الشيلمان” كجسور لحمل السقوف المعقودة بالآجر بحيث اصبحت اكثر الوسائل شيوعا في التسقيف حتى بداية الستينات، حين بدأ يستعاض عنها في اغلبية المنازل بالخرسانة المسلحة. ويعتبر هذا الاسلوب في البناء من وسائل التعرف على عمر البيوت التراثية وغيرها من العمارة في العراق، كشاهد خارجي نستدل به على التاريخ التقريبي لانشائها، اذ نعلم ان كل بناء بهذا الاسلوب لا يمكن ان يعود الى ما قبل عام 1915.وبغض النظر عن العوامل الاخرى التي كان لها اثرها في بغداد، فمما لا شك فيه ان للاسوار من ناحية، ولنهر دجلة من ناحية اخرى، اكبر الاثر في الابقاء على وضع المدينة. فالاسوار حدت الى درجة كبيرة من طاقتها على التوسع والانتشار، فساعدت بذلك على اطالة فترة سكونها منذ القرن الثاني عشر. ودجلة بدوره لم يبق على شكل المدينة الطولي الضيق وحسب، بل كان احيانا بفيضانه مصدر تهديد لها. فكانت مسألة حماية المدينة من الفيضان تحظى دائما بالمرتبة الاولى من الاهتمام. ولهذا كانت ازالة الاسوار عام 1869 ايذانا ببدء تغيير اساسي في طبيعة المدينة عبر تاريخها الطويل، مما مهد لتوسعها بعدئذ، هذا التوسع الذي قفز قفزات سريعة ومدهشة منذ اوائل الخمسينات.