من التراث البغدادي/بيتنا بقنبر علي إشجابنه بالجوبة ؟!!

من التراث البغدادي
بيتنا بقنبر علي إش جابنا بالجوبة ؟!!

هذه كلمة بل هي مثل شعبي يضربه الناس من نساء ورجال حين يجدون انفسهم في غير المكان الذي قصدوه.. وقد ناقشت مفردات المثل ولم اكن قد اوردته في كتابي ( الامثال البغدادية) المطبوع منذ زمن بعيد .. وبدا لي ان الغاية من المثل التنويه بالفرق الكائن بين قنبر علي وبين الجوبة بحيث يكون الانتقال من قنبر علي الى الجوبة محل خسارة وضياع وبذلك لاحظت ان قنبر علي كانت يوم مضرب المثل محلة مأهولة بالسكان وفيها طبقات منهم متقدمة وموسرة وفيها مصانع لاصحاب بعض الصناعات وفيها عدة مقاهي وفيها مساجد واسواق وسابلة لا تنتهي اقدامها من الذهاب والاياب ..

فان محلة قنبر علي تقع بين جهات الفضل وبين باب الشيخ فهي محل حاجات الناس من غرباء ومقيمين على اختلاف حاجاتهم اما الجوبة فانها فضاء ليس فيه الا ما يقع من حشد كشتارات من الاغنام في بعض احايين النهار لتساق الى المسالخ ..

وقد ادركت الجوبة ايام الصغر وليس فيها الا قهوة (حوري) ومبنى التنبلخانة التي اتخذت لتكون دار العجزة منذ ايام مدحت باشا والي بغداد ، ووجدت هذه التنبلخانة يسكنها فئة من الاحباش من رجال ونساء كنت اراهم كل عصر يوم خميس وهم يرقصون رقصا صوفيا ويجولون حول دائرة يتخذونها لهذا الغرض والناس تنظر اليهم من حول مكانهم المكشوف ..

ووجدت يومذاك في الجوبة محلة يسمونها ( محلة الخرك) ويعنون بذلك ان سكان هذه المحلة هم مملقون غاية الاملاق .. والخرك في الخرق أي الملابس البالية .. ووجدت فيها بعض الحوانيت التي يتعاطى من فيها صنع البرشقات وهي عربات تتخذ لحمل الاثقال ولا وجود للبرشقات اليوم فقد استعاض الناس عنها بوسائل خير منها لنقل امتعتهم واثقالهم ..

وكانت هناك بعض البيوت البسيطة تتألف من طابق واحد .. اقول هنا طابق وان كان الباحث اللغوي نعمة رحيم العزاوي يقول " لا تقل طابق وقل طبقة " ذلك لان الطابق عندي هو من مولدات الالفاظ التي اصطلح عليها الكثير من الكتاب فكان في ذلك جواز استعمال هذا الحرف وتداوله .. فمن خرج من قنبر علي ووجد نفسه في الجوبة فانه يتحسر على المتاهة التي عرضت له اذ فقد عالما مشحونا بالخلائق والموجودات فبات في عالم فارغ من كل محتوى ..

ان المثل يضرب في هذا المعنى ولم نسمع من قلب المثل قال " بيتنا بالجوبة اش جابنا لقنبر علي " لان مجيئه لقنبر علي فيه اكثر من مكسب لا يستوجب الحيرة ولا الحسرة على تبدل الامكنة .. والكلمة التي اتخذناها عنوانا لهذا الحديث يقولها كل قائل ممن يضلون اهدافهم فلا يصلون الا الى ما لا يريدون .. ان الجوبة وان كانت اليوم محلة ذات مسجد وفيها ازقة وسكان كثيرون ولم تعد على ذات الحال القديم فان المثل مازال هو هو حين يضرب وحين يستشهد به..

=================

صحيفة المشرق / ذاكرة عراقية/ 25-7-2007