شباب المنتخب العراقي، الذين يبرهنون يوما بعد اخر عقم طائفية وعرقية السياسيين، هم الأكثر استحقاقا ولياقة لرفع علم العراق.
لا نبالغ إذا قلنا في ظل ما يشهده العراق، إن المنتخب الوطني لكرة القدم ربما هو الجهة الوحيدة التي تعمل من أجل العراق وحده، بعيدا عن الأهداف الطائفية والعرقية والحزبية.
ولا نجانب الحقيقة إذا أعلنا أن لاعبي هذا المنتخب الذين نشأوا في ظل النظام السابق، وعانوا ما عانوه من تعذيب أو تخويف وترهيب في أقبية وزنازين اللجنة الأولمبية، ولم يألفوا شيئا مما تسرب من اجتماعات للمحاصصة عقدت في لندن وبلدة صلاح الدين قبل سقوط نظام صدام، هم اليوم الأكثر استحقاقا ولياقة ليرفعوا علم العراق واسمه عاليا خفاقا في الأقاليم والبلدان، كما فعلوا ويفعلون وهم يلتفون بعلم العراق ويتنفسوه شوقا ولهفا.
فهؤلاء الفتية آمنوا بوطنهم العراق ولم يحبوا غيره، فزادهم الله هدى وحباهم بكرامته لأن حب الأوطان من الايمان، ومن لا وطن له لا أم له.
وهؤلاء الفتية تنفسوا برئة العراق، وانتصبوا على خارطته وأرضه، وشربوا من دجلته وفراته، وتفيئوا ظله وسماه، ولم يكونوا مع أبناء جلدتهم، الا جسدا واحدا في الربح والخسارة، والموت والحياة،فكانوا هم العراق الذي فقدناه نحن الذين عشنا سني الغربة والألم نبحث عن وطن يؤوينا، ونحن نركض خلف سراب العمر ولا نجد منه الا خيط دخان ينتشر مع رائحة الموت والتفجير في عراق يكاد ينهار وتنهار لحمته الاجتماعية لولا هذا الحلم الذي يسمى اليوم: منتخب العراق.
نعم.. إن هذا المنتخب - فاز أم خسر- هو اليوم أمل العراقيين في وحدتهم التي يبحثون عنها، وفي ألفتهم التي ألفوها من قبل، وحبهم لبلدهم ولعلمهم الذي لم يخطفه منهم جلادو ذاك الزمان. وإن العراق بهؤلاء الفتية المؤمنة بالوطن والأرض والاخاء، يظل عصيا على كل فتنة وبلاء، رغم كل الأحزان والموت العبثي المتنقل يوميا في بلاد الرافدين.. بلاد الخصب والنماء!
في المنتخب العراقي هوار ملا محمد، مثال ونموذج عن العراق الموحد الصغير الذي لم يكن يعرف أبدا معادلة اسمها المحاصة، ولن يقبل بها مادام في عراقنا مثله.
هذا الشاب الكردي السني، رضي أن يحزن ويدفن ألمه بين جنبيه وهو يتلقى نبأ وفاة "أمه "، ليفرح العراقيين جميعا دون استثناء، ودون أن يأخذ بنظر الاعتبار قانون المحاصة الطائفية والعرقية الذي وضعه الأجنبي للعراقيين.
هوار الذي لعب آخر مباريات منتخبنا الوطني وهو يحمل على كتفه شريطا أسود حزنا على وفاة من ربته صغيرا، قال مخاطبا قناة العراقية وهو يمشي واثق الخطوة ملكا بعد فوز المنتخب وتأهله للنصف النهائي في بطولة كاس آسيا، متعاليا على جراحه: نحزن ليفرح العراق.
قالها هوار بينما السياسيون في العراق يقولون غيرها من خلال ما يفعلون وما يصنعون وما يخططون ويتحالفون ويتكتلون، فهم جميعا يعملون من أجل أنفسهم ومكاسبهم وحتى الأجنبي خارج الحدود، ولا يضعون العراق في جدول أعمالهم، بل حتى أنهم لا يضعونه في طريقهم ليصلوا اليه ولو بعد حين.
فما يجري في العراق يؤكد بما لا يقبل الشك أن العراق لم يكن في يوم من الأيام، في قائمة المتصارعين على فتات الأجنبي، ومن تحركهم أجندته سواء أولئك الذين يعملون مع أو قرب المحتل، أم أولئك الذين يزعمون أنهم "مقاومة" ويحسب الجميع أنهم للعراق يعملون.
إنها فئة واحدة ثبت حتى الآن أنها تعمل من أجل العراق وحده ولا غير، وهم هؤلاء الفتية الصغار... هوار وصحبه.
فاحفظهم لنا يا رب..
ربما يخجل منهم الآخرون.